أين نحن فى ملك الله

#مقالات_الغزالي [1113] : 
أين نحن فى ملك الله ؟ 

نظرت إلى الرغيف الذى سأتناوله فى الغداء وحملقت فى أجزائه ثم قلت : بعد قليل ستختفى فى بدنى ! ترى أى أجزائك سيكون شعرا وأظافر ؟ وأى أجزائك سيكون دماء وعروقا ؟ وأى أجزائك سيكون لحم رئتين أو كليتين؟ إنك الآن جماد ولكن بعد سويعات سيخلق منك مخرج الحى من الميت شيئا آخر يحس ويتحرك ! 

ما أعجب هذا الإنسان ! إنه بدأ حيوانا منويا لا وزن له بين مائة أو مائة وخمسين مليونا من الحيوانات المهينة ، سوف يتخلق من واحد منها فقط ، وبقية الرقم الفلكى تتلاشى فى دورة المياه !! 

فلم كان هذا العدد الضخم ؟ ليعلم الإنسان أنه عند خالقه لم يتطلب إعدادا معنتا أو مرهقا! فلا مكان لكبرياء ! 

والإنسان نسيج وحده ، فبصمات أصابعه لا تتكرر بين الألوف المؤلفة التى تزحم القارات ، لكل بنان نقش خاص به !

 يقول " ديل كارنيجى " : 

" إنك شىء فريد فى هذا العالم ، إنك نسيج وحدك فلا الأرض منذ خلقت رأت شخصا يشبهك تمام الشبه ولا هى فى العصور المقبلة ترى شخصا يشبهك تمام الشبه ، وينبئك علم الوراثة أنك تخلقت جنينا نتيجة تلاقى ثلاثة وعشرين زوجا من "الكروموزومات " أسهم فيها بالنصف كل من أبويك وقد تضافرت هذه الأزواج كلها على توريثك الصفات التى تتميز بها . وكل "كروموزوم" يحمل "جينات " تعد بالمئات ، وواحد فقط من هذه "الجينات " قادر على تغيير حياة المرء تغييرا شاملا ، نعم ، فالحق أننا مخلوقون بدقة تثير الرهبة وتستدعى الإعجاب ، وحتى بعد التقاء أبويك أحدهما بالآخر فإن احتمال خروجك أنت ذاتك إلى حيز الوجود كنسبة واحد إلى 300000 بليون أو بمعنى آخر لو أن لك 300000 بليون أخ وأخت لكانوا جميعا مختلفين عنك ، مناقضين لك !!! "  

إن الله ليس كمثله شىء وأسلوبه فى الإبداع يعجز أولى النهى فما ندرى كيف يحيى ولا كيف يميت ؟! 

أذكر أنى وقفت يوما أتنفس فى شرفة بيتى ، فتساءلت : أين تذهب هذه الأنفاس؟ أتدخل صدورا أخرى؟ ثم أين تنتهى ؟ أم أن العاصفات عصفا ستنقلها من القاهرة إلى المشارق والمغارب ؟ 

إن تبادل الحياة بين الجماد والحيوان والإنسان يأخذ دائرة مربكة وما نملك إلا أن نقول (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل * له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون).

 أكتب هذه السطور مقدمة لحديث قدسى جليل يشرح قدر الخالق ، ويحدد مكانة المخلوق ، ويبرز عظمة الإسلام وما أحسب له نظيرا فى مواريث السماء عند غيرنا ! 

عن أبى ذر رضى الله عنه ، عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن الله تبارك وتعالى أنه قال : 

" يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادى كلكم ضال إلا من هديته فاستهدونى أهدكم. 

يا عبادى كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعمونى أطعمكم. يا عبادى كلكم عار إلا من كسوته فاستكسونى أكسكم ! 

يا عبادى إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أكفر الذنوب جميعا فاستغفرونى أغفر لكم . يا عبادى إنكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى ، 

يا عبادى لو أن أولكم وآخركم و إنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئا ،

 يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئا ،
 

يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وانسكم وجنكم قاموا فى صعيد واحد فسالونى فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. 

يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " .

 هذا حديث ليس بعده حديث عن العدل الإلهى والفضل الإلهى ، وعن فاقة البشر وتطاولهم !! ولن يعرف حقيقته إلا خبير بأبعاد الكون الذى نحيا فى جانب منه ، ورحمة خالقه التى وسعت كل شيء 

الشيخ #محمد_الغزالي

ليست هناك تعليقات: