باب فى صداق الزوجه


كتاب الصداق

(كل ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون صداقاً قل أو كثر) بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سهيل بن سعد : التمس ولو خاتماً من حديد . وقال سبحانه : وآتيتم إحداهن قنطارا 'سورة النساء : الآية 20 ' يعني : مائة رطل ذهب ، وهذا يدل على جوازه بالقليل والكثير . وقوله كل ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون صداقاً لأنه عقد معاوضة أشبه البيع فلا يجوز بالمجهول والمحرم والحشرات التي لا يجوز أن تكون رهناً لذلك .
1191 ـ مسألة : (فإذا زوج الرجل ابنته بأي صداق كان جاز) سواء كانت بكراً أو ثيباً ، وسواء كان بصداق مثلها أو دونه وإن كرهت كبيرة كانت أو صغيرة ، لأن عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال : ألا لا تغالوا في صداق النساء، فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً من نسائه ولا بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وظاهره صحة تسميته من زوج بمثل ذلك وإن نقص عن مهر المثل لأن عمر إنما ذكر ذلك ليحذا ويتأسى به ولا يزاد عليه ، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وهو سيد قريش ، ولأنه غير متهم في حقها فلا يمنع من تحصيل المقصود والحظ لابنته بتفويت غير المقصود، فإن المقصود من النكاح الوصلة والاستمتاع ووضع المرأة في منصب وخلق حسن ، وليس المقصود منه المهر ، والظاهر من حال الأب مع تمام شفقته أنه لا ينقص من صداقها إلا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح فإنه غير متهم (وليس لغيره نقصها عن مهر مثلها إلا بإذنها) لأنه متهم فإذا نقصه بإذنها لم يكن لغيره الإعتراض لأن الحق لها وقد أسقطته فأشبه ما لو أذنت في بيع سلعة لها بأقل من ثمن مثلها ، وإن فعله بغير إذنها لم يجز والنكاح صحيح ويكون لها مهر مثلها لأنه قيمة بضعها وليس لهذا
فصل : (وإن تزوجها بغير صداق صح) النكاح لقوله سبحانه : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن 'سورة البقرة : الآية 236' وحديث بروع بنت واشق التي قضى فيها ابن مسعود بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط ، وعليها العدة ولها الميراث . تزوجها رجل ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات أخرجه أبو داود ، فدل على صحة النكاح بغير تسمية صداق ، ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير ذكره كالنفقة ، وتسمى هذه مفوضة البضع وهو التفويض الصحيح .
1196 ـ مسألة : (فإن طلقها قبل الدخول لم يكن لها إلا المتعة) لقوله سبحانه وتعالى : ومتعوهن 'سورة البقرة: الآية 236 ' والأمر يقتضي الوجود ، وقال تعالى : وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين 'سورة البقرة : الآية 241 ' لأنه طلاق في نكاح يقتضي عوضاً فلا معدي عن العوض كما لو سمى مهراً ، إذا ثبت هذا فالمتعة معتبرة بحال الزوج في يسره وعسره لقوله سبحانه : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره 'سورة البقرة : الآية 236' . إذا ثبت هذا (فأعلاها خادم) إذا كان موسراً (وإن كان معسراً) أمتعها كسوتها درعاً وخماراً وثوباً تصلي فيه وهو قول ابن عباس ، وعنه يرجع في تقديرها إلى الحاكم لأنه يحتاج إلى اجتهاد فأشبه سائر المجتهدات .
1197 ـ مسألة : (فإن مات أحدهما قبل الدخول والفرض فلها مهر نسائها لا وكس ولا شطط ، وللباقي منهما الميراث ، وعليها العدة ، لحديث بروع بنت واشق) وقد سبق .
1198 ـ مسألة : (ولو طالبته قبل الدخول أن يفرض لها فلها ذلك) لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجبت لها المطالبة ببيان قدره لا نعلم في ذلك خلافاً ، وإن اتفقا على فرضه جاز ما فرضاه قليلاً كان أو كثيراً لأن الحق لا يخرج عنهما. (وإن فرض لها مهر نسائها أو أكثر فليس لها غيره) لأنه بدل البضع فيقدر به كالسلعة إذا تلفت إنما يجب قيمتها ، ومهر نسائها كالقيمة في السلعة فإذا بذل أكثر من مهر نسائها فلزمها قبوله بطريق الأولى لأنه زادها خيراً ، (وإن فرض لها أقل من مهر المثل فرضيته فكذلك) لأن الحق لها وقد رضيت بدونه .

فصل
فصل : (وكل فرقة جاءت من قبل المرأة قبل الدخول كإسلامها أو ارتدادها أو رضاعها أو ارتضاعها أو فسخ لعيبها أو فسخها لعيبه أو إعساره أو لأنها تحت عبد يسقط به مهرها) ولا يجب لها متعة لأنها أتلفت المعوض قبل تسليمه فسقط البدل كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه .
1199 ـ مسألة : (وإن كانت من الزوج كطلاقه وخلعه) وإسلامه وردته (نصف به مهرها بينهما إلا أن يعفو لها عن نصفه أو تعفو هي عن حقها وهي رشيدة فيكمل الصداق للآخر) لقوله سبحانه : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم 'سورة البقرة : الآية 237 ' نص على الطلاق وسائر ما استقل به الزوج في معناه لأنه لم يوجد من المرأة إتلاف المعوض ، فإن عفت عن نصفها أو عفا هو عن نصفه جاز لأن الحق لا يخرج عنهما .
1200 ـ مسألة : (وإن جاءت الفرقة من أجنبي) كالرضاع أو وطء ينفسخ النكاح (فعلى الزوج نصف المهر) للآية (ويرجع به على من فرق بينهما) لأنه المتلف فأشبه .
1201 ـ مسألة : (ومتى تنصف المهر وكان معيناً باقياً لم تتغير قيمته صار بينهما نصفين) للآية (وإن زاد زيادة منفصلة كغنم ولدت فالزيادة لها) لأنه نماء ملكها (والغنم بينهما) نصفين للآية . (وإن زاد زيادة متصلة مثل إن سمنت الغنم خيرت بين دفع نصفها زائداً وبين دفع نصف قيمتها يوم العقد) فإن دفعت نصفها زائداً لزمه قبوله لأنه أخذ حقه وزيادة ، وإن أخذ نصف قيمته يوم العقد فهو حقه من غير زيادة .
1202 ـ مسألة : (وإن نقصت فلها الخيار بين أخذ نصفها ناقصاً وبين أخذ نصف قيمتها يوم العقد) فإن رضي بنصفها ناقصاً فقد رضي بدون حقه ، وإن أخذ نصف قيمتها يوم العقد فهو حقه لأنه نصف ما فرض (وإن تلف فله نصف قيمتها يوم العقد) للآية وقد تعذر الرجوع في العين فرجع في القيمة .
1203 ـ مسألة : (ومتى دخل بها استقر المهر ولم يسقط بشئ) لقوله سبحانه : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا 'سورة النساء : الآية 20 ' أمر بترك الكل لها وقال : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم 'سورة البقرة : الآية 237 ' فجعل هذا للمطلقة قبل الدخول وذاك للمطلقة بعد الدخول بدليل قوله : وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض 'سورة النساء : الآية 21' أراد به الجماع والخلوة بها .
1204 ـ مسألة : (وإن خلا بها بعد العقد وقال : لم أطأها وصدقته استقر المهر ووجبت العدة) لما روى الإمام أحمد والأثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى قال : قضى الخلفاء الراشدون أن من أغلق باباً وأرخى ستراً فقد وجب المهر ووجبت العدة وإن لم يطأ ، روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر . وعن الشافعي : لا يستقر المهر إلا بالوطء وحكي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعن أحمد مثل ذلك إذا صدقته المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق وعليها العدة رواه عنه يعقوب بن بحران ودليله قوله سبحانه : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم 'سورة البقرة : الآية 237 ' وهذه قد طلقها قبل أن يمسها وقال : وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ' سورة النساء : الآية 21 ' والإفضاء الجماع ، وقال : إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ' سورة الأحزاب : الآية 49' . وللأولى إجماع الصحابة ، وما روي عن ابن عباس لا يصح ، قال أحمد : يرويه ليث وليس بالقوي ، وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث ، وحنظلة أوثق من ليث ، قال ابن المنذر : وحديث ابن مسعود منقطع ، وروى الدارقطني عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل ، ولأن التسليم المستحق من جهتها قد وجد فيستقر به البدل كما لو أجرت دارها وتسلمها . فاما قوله : من قبل أن تمسوهن 'سورة البقرة : الآية 237' فيحتمل أنه كنى بالسبب عن المسبب الذي هو الخلوة بدليل ما ذكرناه ، وأما قوله : وقد أفضى بعضكم إلى بعض 'سورة النساء : الآية 21 ' فقال الفراء : هو الخلوة دخل بها أو لم يدخل فإن الإفضاء مأخوذ من الفضاء وهو الشئ الخالي فكأنه قال : وقد خلا بعضكم إلى بعض .
1205 ـ مسألة : (وإن اختلف الزوجان في الصداق أو قدره فالقول قول من يدعي مهر المثل منهما مع يمينه) فإذا ادعت المرأة مهر مثلها أو أقل فالقول قولها ، وإن ادعى الزوج مهر مثلها أو أكثر فالقول قوله ، لأن الظاهر قول من يدعي مهر المثل فكان القول قوله قياساً على المنكر في سائر الدعاوى ، ويلزمه اليمين لأنه منكر .
مسألة : وإن أنكر الزوج الصداق فالقول قولها قبل الدخول وبعده ، فإذا ادعت مهر مثلها فكذلك إلا أن يأتي ببينة تشهد أنه وفاها أو أنها أبرأته من ذلك .

ليست هناك تعليقات: