الفكرة فكرتان


الفكرة فكرتان : فكرة تستدل بها علي خالق الاكوان ، وفكرة تشهدك مقام الاحسان
‏(ش) قلت به ناسجا لما انطوت عليه هذه الحكمة : الفكرة فكرتان : عليا ودنيا ، فالدنيا لأهل الظاهر وهي شريعة ، والعليا لأهل الباطن وهي حقيقة ، فالاولي بمنزلة الجسد ، والثانيه بمنزلة الروح ، والجسد خلق من التراب الأسفل ، والروح خلقت من النور الأعلي ، ولكل من الفكرتين أهلها وقبيلها ، فالاولي للمريدين ، والثانيه للعارفين المحققين فمن لازم الاولي كان له قوله صلي الله عليه وسلم : فكرة ساعة خير من عبادة سنة ، ومن لازم الثانية كانت له قوله صلي الله عليه وسلم : فكرة ساعة خير من عبادة سبعين سنة ، وكلاهما خير ، وإن تفاوتا في الدرجات ، : قال سيدي ابن عطاء الله في حكمه : مانفع القلب مثل عزله ، يدخل بها في ميدان فكره ،
واعلم ان الفكرة علي قسمين : فكرة في الحدوث ، وفكرة في القدم ،
فالفكرة في الحدوث الفكرة في صنائع قدرته ، وهذا هو النوع الادني منها ،
والاعلي هو الفكرة في القدم ،
والفكرة في القدم تنقسم الي اربعة اقسام :
فكرة ذاتيه . وأسمائيه ، وصفاتية ، وأفعالية ، فالقسم الاول هو الفكرة الذاتية ينقسم الي قسمين : ممنوع ومطلوب ،
فالقسم الممنوع هو الفكر في كيفية الذات ، وماهيئتها ، وآنيتها ، وعينيتها ، قال تعالي :
يحذركم الله نفسه ، أي ذاته ، وقال صلي الله عليه وسلم : تفكروا في مخلوقاته ولا تفكروا في ذاته ، والقسم المطلوب علي قسمين أيضا : أدني وأعلي ، فالادني هو الفكرة في وجود الذات وقدمها ، وبقائها ، ومخالفتها للخلق ، وقيامها بنفسها ووحدانيتها ، والاعلي هو الدهش في كبريائها أي كمالها عن كل نقص وعيب ، والغيبة بها عما سواها ، وذلك هو التجلي الذاتي ، والفكرة الاسمائية علي قسمين : أدني وأعلي ، فالأدني معانيها ، ومظاهرها وعظمتها ، والأعلي قيام الحروف المفرده الثمانية والعشرون حرفا ، وتركيبها في الاسماء ، والأسم عين المسمي وذاته ، وهو عجيب ،
والفكرة الصفاتيه علي قسمين :
أدني وأعلي ، فالادني انه تعالي فاعل من غير معين ، ومن غير آلة ، بخلافنا نحن في افعالنا ، فأننا محتاجون الي العون والآلة ، والأعلي أنه هو الفاعل ، وليس لسواه فعل ، لأن بيده ملكوت كل شئ ، وتارة يفعل بآلة ، وتارة يفعل بغير آلة ، ودليل فعله بالآلة قوله تعالي للصحابة : قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ؛
والفكرة مما حثت عليه الآثار ورغبت فيه كل الترغيب ، قال صلي الله عليه وسلم : عليكم بالفكرة العليا حتي تعرفوا الله حقا وصدقا ، وقال عليه السلام : فكرة ساعة خير من عبادة سنة ، وفي رواية أخري : خير من عبادة سبعين سنة ، وقال ايضا ، الفكرة سير القلب في ميدان الأغيار ، وقال أيضا : الفكرة سراج القلب ، فإذا ذهبت فلا إضاءة له فمن أراد تنوير باطنه بالمعرفة فعليه بها ، وأن يصمت ويجعل باطنه منعزلا عن الخلق ولو كان معهم ، لقوله عليه الصلاة والسلام :
الصمت يورث معرفة الله ، والعزلة تورث معرفة الدنيا ، والجوع يورث معرفة الشيطان ، والسهر يورث معرفة النفس ، فكرة تستدل بها علي خالق الاكوان ، من جماد ونبات وحيوان في العوالم العلوية والسفلية ، فتستدل بها علي صانعها ، وتعرفه بها ، وتجيل فكرك في بدائع صنعه تعالي ، حتي تندهش من عظمة الصانع التي توحيها اليك عظمة الصنع ، علي أن فكرك في نفسك أتم وأكمل :
وفكرة تشهدك أيها العارف ' مقام الاحسان ' فتدهش في المعارف الإلهية ، وتفني في مجالي الرحمن ، ولاتعلم بنفسك أنك انسان :
قال العارف بالله ، القطب الصمداني ، والغوث الرحماني ، الشيخ محمد السماني قدس الله سره العزيز مشيرا لهذه الفكرة : نظرة من العارف بالله في الملكوت تعدل عند الله عبادة الثقلين ،
وقال سيدي العارف بالله ابو القاسم الجنيد رحمه الله تعالي : الفكرة أعلي من العبادة ، لأن العبادة تنقطع من صاحبها في الجنة ، والفكرة لا تنقطع عنه أبدا
وقال سيدي العارف بالله تعالي الشيخ إدريس رحمه الله :
الفكرة لها عين ، وفي العين أربعة ابواب : ألاول منها باب الرحمة ، والثاني باب النعمة ، والثالث باب الرضا ، والرابع باب الوصول .
قلت مفصلا ما أجمله رضي الله عنه : باب الرحمة فكرة الندم علي المعاصي ، وتوبة يرحم الله بها صاحب القلب القاسي ، وباب النعمة فكرة النظر بالقلب الي نعم الرب ، وما بكم من نعمة فمن الله ، وباب الرضي تحققك أن ماسبق من قضاء الله عليك ، واصل اليك خيرا كان أم شرا فتكون راضيا بإختيار الله لك ، ولقد ناجي موسي ربه فقال : علمني شيئا أنال به رضاك ، فقال تعالي يا موسي رضاي في رضاك بقضائي ،، وباب الوصول الفكرة في أصل الأصول وهو شهود عدمك لوجوده ،،
وقال سيدي ابن عطاء الله رحمه الله تعالي في الفكرة :
الفكرة فكرتان ،، فكرة تصديق وايمان وفكرة شهود وعيان .
قال سيدي الشيخ زروق رضي الله عنه في مقسميه : الفكرة أربعة : الاولي فكرة تفيد التصديق والايمان وهي في أدلة الصنع ، طلبا لبرهان
والثانية فكرة ناشئة عن التصديق والايمان وهي الفكرة فيما دل عليه من لوازمه كالدار الآخرة ، وأخبار الامم السالفة وانقراض الدنيا الي غير ذلك
الثالة : فكرة ناشئة عن شهود الحقيقة ومعانيها ، ومرجعها لجولان القلب في بساط التعظيم والاجلال ،
الرابعة : فكرة موجبة للشهود والعيان ، وهي الفكرةفي مجاري الحقيقة من تصرفات إلا لحق ، وتقلبات الخلق ونحو ذلك مما يهدي للحقيقة ،
‏(من كتاب الحكم للشيخ احمد الطيب البشير )