باب فى ما يجوز اكله من الحيوانات

وهي نوعان حيوان وغيره . فأما غير الحيوان فكله مباح) لأن الأصل في الأشياء الإباحة بقوله سبحانه : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا 'سورة البقرة : الآية 29' (إلا ما كان نجساً) فإنه حرام الأكل بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحمر الأهلية : اكفئوها فإنها رجس وقال سبحانه : إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس 'سورة المائدة : الآاية 90' والرجس اسم لما استقذر ، والنجس مستقذر ، وقد أمر في أثناء الآية باجتنابه بقوله فاجتنبوه 'سورة المائدة : الآية 90' فدل على تحريمه (والمضر حرام أيضاً لضرره كالسموم) ونحوها .
1336 ـ مسألة : (والأشربة كلها مباحة) ، لأن الأصل الإباحة (إلا ما أسكر فإنه يحرم) قليله وكثيره من أي شئ كان لقوله عليه السلام : كل مسكر خمر وكل خمر حرام رواه ابن عمر ، وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أسكر كثيره فقليله حرام رواهما أبو داود والأثرم وغيرهما ، وقال عمر : نزل تحريم الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير ، ولأنه مسكر فأشبه عصير العنب .
1337 ـ مسألة : (وإن تخللت الخمر طهرت وحلت ، وهذا إجماع ، وإن خللت لم تطهر) لما روى أبو طلحة قال : لما نزل تحريم الخمر كان عندي خمر لأيتام ، فقلت : يا رسول الله أخللها ؟ قال : لا، أرقها فأمر بإرقاتها ، ولو كان يحل تخليلها لما أمر بإراقتها ، لأنه يكون إتلاف مال ، وتضيع على الايتام ، وذلك لا يجوز .


الحيوان قسمان : بحري وبري
فصل : (والحيوان قسمان : بحري وبري . فأما البحري فكله حلال) ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر : هو الطهور ماؤه الحل ميتته وهذا عام إلا الحية والضفدع) لأنهما من الخبائث ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع . (إلا التمساح) لأنه يأكل الناس وله ناب يجرح .
1338 ـ مسألة : (وأما البري فيحرم منه كل ذي ناب من السباع) وهي التي تضرب بأنيابها الشئ وتفرس ، وهو مذهب أكثر أهل العلم ، لما روى أبو ثعلبة الخشني قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع متفق عليه ، وقال أبو هريرة رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أكل كل ذي ناب من السباع حرام ، قال ابن عبد البر : هذا حديث ثابت صحيح مجمع على صحته ، وهذا نص صريح .
1339 ـ مسألة : (ويحرم كل ذي مخلب من الطير) وهي التي تعلف بمخالبها الشئ وتصيد بها ، لما روى ابن عباس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ، وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حرام عليكم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير رواهما أبو داود .
1340 ـ مسألة : (وتحرم الحمر الأهلية) لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل متفق عليه .
1341 ـ مسألة : (والبغال محرمة) لأنها متولدة منها ، والمتولد من شئ له حكمه في التحريم ، قال قتادة : ما البغل إلا شئ من الحمار . وعن جابر قال : ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمر ولم ينهنا عن الخيل .
1342 ـ مسألة: (وما يأكل الجيف من الطير كالنسور والرخم وغراب البين الأبقع) قال عروة : ومن يأكل الغراب وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق ؟ ولعله يعني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس فواسق ، يقتلن في الحل والحرم : الغراب ، والحدأة ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور فهي محرمة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها فواسق وأمر بقتلها ، وما يحل أكله لم يحل قتله بل يذبح .
1343 ـ مسألة : (ويحرم كل ما يستخبث من الحشرات) كالديدان والجعلان وبنات وردان والخنافس والفأر والأوزاغ والحرباء والعظاء والجراذين والعقارب والحيات لقوله سبحانه : ويحرم عليهم الخبائث 'سورة الأعراف : الآية 157' وهذه من الخبائث ، وقال عليه السلام : خمس يقتلن في الحل والحرم : الغراب والفأرة والعقرب والحدأة والكلب العقور وفي حديث مكان الفارة الحية ، ولو كانت من الصيد المباح لما أبيح قتلها للمحرم لأن الله سبحانه قال : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم 'سورة المائدة : الآية 95' ، وقال سبحانه : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً 'سورة المائدة : الآية 96' وكذلك القنفذ لما روى أبو داود أن أبا هريرة قال : ذكر القنفذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هو خبيثة من الخبائث .
1344 ـ مسألة : (إلا اليربوع) يعني أنه مباح لأن عمر رضي الله عنه حكم فيه بجفرة ولأن الأصل الإباحة ما لم يرد تحريم ، وعنه أنه حرام لأنه يشبه الفأر .
1345 ـ مسألة : (والضب حلال) لما روى ابن عباس قال : دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فقيل : هو ضب يا رسول الله ، فرفع يده ، فقلت أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه . قال خالد : فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر متفق عليه . وقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرم الضب ولكنة قذره ، ولو كان عندي لأكلته .
1346 ـ مسألة : (ويباح أكل الخيل) لحديث جابر ، وقد تقدم .
1347 ـ مسألة : (ويباح الضبع) لما روى جابر قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الضبع . قلت : صيد هي ؟ قال : نعم واحتج به الإمام أحمد ، وفي لفظ قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال : هو صيد ، ويجعل فيه كبشاً إذا صاده المحرم رواه أبو داود .