باب في بيوع الملامسه والمنابزه

فصل 701 ـ مسألة : فصل : (ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة) في المتفق عليه لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في فساد هذين البيعين ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : نهى عن الملامسة والمنابذة متفق عليه . والملامسة أن يبيعه شيئاً ولا يشاهده على أنه متى لمسه وقع البيع ، والمنابذة أن يقول أي ثوب نبذته إلي فقد اشتريته ، وفي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة ، وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه ، ونهى عن الملامسة ، والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه ، وعلة المنع من ذلك كون المبيع مجهولاً لا يعلم . 702 ـ مسألة : (ونهى عن بيع الحصاة) فروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة . واختلف في تفسيره فقبل : هو أن يقول ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا ، وقيل : هو أن يقول بعتك من هذه الضيعة مقدار ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا ، وقيل : هو أن يبيعه شيئاً فإذا رمى بالحصاة فقد وجب البيع . والعلة في فساد ذلك ما فيه من الغرر والجهالة ، ولا نعلم في فساده خلافاً . 703 ـ مسألة : (ونهى عن بيع الرجل على بيع أخيه) لقوله عليه السلام : لا يبع بعضكم على بيع بعض ومعناه أن الرجلين . إذا تبايعا فجاء آخر إلى المشتري فقال : أنا أبيعك مثل هذه السلعة بدون الثمن الذي اشتريت به ، أو قال : أبيعك خيراً منها بثمنها ، أو عرض عليه سلعة أخرى حسب ما ذكره ، فهذا غير جائز ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، لما فيه من الإضرار بالمسلم والإفساد عليه ، فيكون حراماً . فإن خالف وعقد البيع فالبيع باطل لأنه نهى عنه والنهي يقتضي فساد المنهي عنه . 704 ـ مسألة : (ونهى أن يبيع حاضر لباد)، والبادي هاهنا هو من يدخل البلدة من غير أهلها سواء كان بدوياً أو من قرية أو بلدة أخرى . قال ابن عباس : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتلقى الركبان ، وأن يبيع حاضر لباد ، قال : فقلت لابن عباس : ما قوله حاضر لباد ؟ قال : لا يكون له سمساراً . متفق عليه . وروى مسلم عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يبع حاضر لباد ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ، والمعنى في ذلك أنه متى ترك البدوي يبيع سلعته اشتراها الناس برخص وتوسع عليهم السعر ، فإذا تولى الحاضر بيعها وامتنع أن يبيعها إلا بسعر البلد ضاق على أهل البلد فيضر بهم فنهى عنه صلى الله عليه وسلم، وعنه يصح وأن النهى اختص بأول الإسلام لما عليهم من الضيق في ذلك ، والأول المذهب لعموم النهي ، وما ثبت في حق الصحابة ثبت في حقنا ما لم يقم على اختصاصهم به دليل . فصل : ويشترط لعدم الصحة خمسة شروط : أن يحضر البدوي لبيع سلعته بسعر يومها جاهلاً سعرها ويقصده الحاضر وبالناس حاجة إليها ، وإنما اشترط ذلك لأن النهي معلل بالضرر الحاصل من الضيق على أهل المصر وإغلاء أسعارهم ، ولهذا قال عليه السلام : دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ولا يحصل الضرر إلا باجتماع الشروط الخمسة : أحدها : أن يحضر البادي لبيع سلعته ، فأما إن جاء بها ليأكلها أو يخزنها أو يهديها فليس في بيع الحاضر له تضييق بل فيه توسعة . الثاني : أن يحضر ليبيعها بسعر يومها ، فأما إن أحضرها وفي نفسه أن لا يبيعها رخيصة فليس في بيعه له تضييق . الثالث : أن يقصده الحاضر ، فإن كان هو القاصد للحاضر جاز لأن التضييق حصل منه لا من الحاضر فأشبه ما لو امتنع هو من بيعها إلا بسعر غال . الرابع : أن يكون جاهلاً بسعرها ، فإن كان عالماً بسعرها لم تحصل التوسعة بتركه بيعها لأن الظاهر أنه لا يبيعها إلا بسعرها . الخامس : أن يكون بالناس حاجة إلى سلعته كالأقوات ونحوها لأن ذلك هو الذي يعم الضرر بغلو سعره . 705 ـ مسألة : (ونهى عن النجش ، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها) ليقتدي به من يريد شراءها يظن أنه لم يزد فيها هذا القدر إلا وهي تساويه فيغتر بذلك ، فهذا خداع وهو حرام . وقد ررى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تلقوا الركبان ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، ولا تناجشوا ، ولا يبع حاضر لباد متفق عليه . 706 ـ مسألة : (ونهى عن بيعتين في بيعة ، وهو أن يقول : بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين مكسرة) أو بعشرة نقداً أو عشرين نسيئة ، فهذا لا يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة حديث صحيح وهو هذا ، ويحتمل أن يصح بناء على قوله في الإجارة : إن خطته رومياً فلك نصف درهم ، وإن خطته فارسياً فلك درهم ، فإن فيها وجهين . 707 ـ مسألة : وقال عليه السلام : لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق رواه البخاري ، وروي أنهم كانوا يتلقون الأجلاب فيشترون منهم الأمتعة قبل أن يهبط بها الأسواق ، فربما غبنوهم غبناً بيناً فيضروا بهم ، وربما أضروا بأهل البلد لأن الركبان إذا وصلوا باعوا أمتعتهم ، وهؤلاء الذين يتلقونهم لا يبيعون سريعاً ويتربصون به السعر فهو في معنى بيع الحاضر للبادي فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وروى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولا تلقوا الركبان ، ولا يبيع حاضر لباد وعن أبي هريرة مثله متفق عليهما ، فإن خالف وتلقى الركبان واشترى منهم فالبيع صحيح لأن في حديث أبي هربرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تلقوا الجلب ، فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار هكذا رواه مسلم والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح ، ولأن النهي لا لمعنى في البيع ، بل يعود إلى ضرب من الخديعة يمكن استدراكها بإثبات الخيار فأشبه بيع المصراة . 708 ـ مسألة : (وقال عليه السلام: من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)، وروى ابن عمر قال : رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يؤوه إلى رحالهم ، وقال عليه السلام : من اشرى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه متفق عليهما ، ولمسلم عن ابن عمر كنا نشتري من الركبان جزافاً ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه وأجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاماً فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه .

ليست هناك تعليقات: